فصل: الحديث السَّابِع عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقت وجوب الصَّدَقَة فِي النّخل وَالْكَرم: الزهو، وَهُوَ بَدو الصّلاح؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ حِينَئِذٍ بعث الخارص للخرص.
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره بعد من حَدِيث عَائِشَة، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ، وَبَعثه الخارص للخرص مرويٌّ من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث ابْن عمر أَنه «عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى خَيْبَر يخرص عَلَيْهِم ثمَّ خَيرهمْ أَن يَأْخُذُوا أَو يردوا، فَقَالُوا: هَذَا الْحق؛ بِهَذَا قَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، عَن وَكِيع، نَا الْعمريّ، عَن نَافِع عَنهُ بِهِ.
ثَانِيهَا: من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر؛ قَالَ: «أَفَاء الله خَيْبَر عَلَى رَسُوله فأقرهم، وَجعلهَا بَينه وَبينهمْ، فَبعث عبد الله بن رَوَاحَة فخرصها عَلَيْهِم، ثمَّ قَالَ: يَا معشر يهود أَنْتُم أبْغض الْخلق إليَّ؛ قتلتم أَنْبيَاء الله، وكذبتم عَلَى الله، وَلَيْسَ يحملني بغضي إيَّاكُمْ أَن أحيف عَلَيْكُم، قد خرصت عشْرين ألف وسق من تمر، فَإِن شِئْتُم فلكم، وَإِن أَبَيْتُم فلي. قَالُوا: بِهَذَا قَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض، قد أخذناها. قَالَ: فاخرجوا عَنْهَا».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، كَذَلِك، وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات.
ثَالِثهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما بِمثلِهِ. رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث جَعْفَر بن برْقَان، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ.
رَابِعهَا: من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه خارصًا، فجَاء رجل إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا حثْمَة قد زَاد عليَّ فِي الْخرص. فَدَعَاهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن ابْن عمك زعم أَنَّك زِدْت عَلَيْهِ فِي الْخرص فَقلت: يَا رَسُول الله، لقد تركت لَهُ قدر خرفة أَهله وَمَا يطعم الْمَسَاكِين. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد زادك ابْن عمك وأنصف».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه كَذَلِك.
خَامِسهَا: من حَدِيث عَتاب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ مثناة فَوق بن أَسيد- بِفَتْح الْهمزَة- أَمِير مَكَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يبْعَث عَلَى النَّاس من يخرص عَلَيْهِم كرومهم وثمارهم».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن الزبير بن بكار، عَن عبد الله بن نَافِع الصَّائِغ-
وَهُوَ من رجال مُسلم، وَفِيه لين- عَن مُحَمَّد بن صَالح- هُوَ التمار، قَالَ أَحْمد: ثِقَة ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ لَيْسَ بِالْقَوِيّ- عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بِهِ.
وَرَوَاهُ كَذَلِك التِّرْمِذِيّ إِسْنَادًا ومتنًا، ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن حَدِيث عَائِشَة- يَعْنِي الْآتِي- فَقَالَ: حَدِيث عتاب أثبت وَأَصَح.
وَذكر أَبُو دَاوُد إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث دون مَتنه محيًلا لَهُ عَلَى مَا قبله. قَالَ عبد الْحق: وَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع وَلَا يتَّصل من وجهٍ صَحِيح.
قلت: لِأَن سعيد بن الْمسيب لم يسمع من عتاب بن أسيد- كَمَا ستعلمه فِي الحَدِيث الْآتِي بعد، إِن شَاءَ الله- وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه، وَمن شَرطه الِاتِّصَال.

.الحديث الرَّابِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي زَكَاة الْكَرم: إِنَّهَا تخرص كَمَا يخرص لنخل، ثمَّ تُؤَدَّى زَكَاته زبيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاة النّخل تَمرا.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بن أسيد رَضي الله عَنهُ.
أما أَبُو دَاوُد فَرَوَاهُ من حَدِيث بشر بن مَنْصُور، عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب بن أسيد قَالَ: أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرص الْعِنَب كَمَا يخرص النّخل، وَتُؤْخَذ زَكَاته زبيبًا، كَمَا تُؤْخَذ صَدَقَة النّخل تَمرا.
وَأما التِّرْمِذِيّ فَرَوَاهُ بِإِسْنَاد الحَدِيث الَّذِي قبله- وَقد تقدم- ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب.
وَأما النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ من حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع وَغَيره، عَن عبد الرَّحْمَن- كَمَا سلف- بِلَفْظ: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر عتاب بن أسيد أَن يخرص الْعِنَب... الحَدِيث كَمَا سلف- وَعبد الرَّحْمَن هَذَا ثِقَة صَالح الحَدِيث، كَمَا قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه: لَيْسَ بِهِ بَأْس. فَقَالَ لَهُ: يَحْيَى بن سعيد يَقُول: سَأَلت عَنهُ بِالْمَدِينَةِ فَلم يحمدوه فَسكت عَنهُ. وَرَوَى أَبُو طَالب عَنهُ قَالَ: سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الْمَدِينِيّ فَقَالَ: رَوَى عَن أبي الزِّنَاد أَحَادِيث مُنكرَة، وَكَانَ يَحْيَى لَا يُعجبهُ. قلت: كَيفَ هُوَ؟ قَالَ: صَالح الحَدِيث. وَذكره ابْن حَيَّان فِي ثِقَات أَتبَاع الأتباع.
وَتَابعه عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعَزِيز الأُمامي بِضَم الْهمزَة، نِسْبَة إِلَى أبي أُمَامَة، فَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيقه، وَعبد الرَّحْمَن هَذَا من رجال مُسلم وَفِيه شَيْء.
قلت: وَمَعَ ذَلِك فَفِيهِ انْقِطَاع بَين سعيد بن الْمسيب وعتاب بن أسيد. قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: سعيد لم يسمع من عتاب شَيْئا. وَقَالَ عبد الْبَاقِي بن قَانِع: لم يُدْرِكهُ. وَقَالَ عبد الْحق: هَذَا إِسْنَاد مُنْقَطع. وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن والموافقات: إِنَّه مُنْقَطع. قَالَ: وانقطاعه ظَاهر جدًّا؛ لِأَن عتاب بن أسيد مَاتَ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ الصّديق، ومولد سعيد بن الْمسيب فِي خلَافَة عمر، وَقيل: كَانَ مولده سنة عشر.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمَام: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بِمُتَّصِل؛ فَإِن سعيد بن الْمسيب لم يدْرك عتاب بن أسيد؛ لِأَن الْمَشْهُور فِي مولد سعيد أَنه سنة خمس عشرَة من الْهِجْرَة بعد وَفَاة عتاب بِسنتَيْنِ. وَقد قيل: إِن مولده بعد سنة عشْرين. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث مُرْسل؛ لِأَن عتابًا توفّي سنة ثَلَاث عشرَة، وَسَعِيد بن الْمسيب ولد بعد ذَلِك بِسنتَيْنِ، وَقيل: بِأَرْبَع.
قلت: وَمِمَّا يُؤَكد إرْسَال هَذَا الحَدِيث وانقطاعه أَن الدَّارَقُطْنِيّ أخرجه من حَدِيث الْوَاقِدِيّ بِزِيَادَة الْمسور بن مخرمَة بَين سعيد وعتاب. وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب، فَقيل: إِنَّهَا حجَّة مُطلقًا. وَالأَصَح أَنَّهَا حجَّة إِذا اعتضدت بِأحد أُمُور: إِمَّا أَن يسند أَو يُرْسل من جِهَة أُخْرَى، أَو يَقُول بِهِ بعض الصَّحَابَة، أَو أَكثر الْعلمَاء، وَقد وجد ذَلِك هُنَا؛ فقد أجمع الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ عَلَى وجوب الزَّكَاة فِي التَّمْر وَالزَّبِيب.
وَخَالف ابْن حبَان فَذكر الحَدِيث فِي صَحِيحه من طَرِيق ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَلَفظه: الْكَرم يخرص كَمَا يخرص النّخل ثمَّ تُؤْخَذ زَكَاته زبيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاة النّخل تَمرا. وَمن شَرطه الِاتِّصَال، كَمَا ذكره فِي خطْبَة صَحِيحه.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عَلّي سعيد بن عُثْمَان بن السكن: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجه غير هَذَا، وَهَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عتابًا وَلم يقل: عَن عتاب. ويحكى أَن أَبَا حَاتِم وَأَبا زرْعَة سئلا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَا: هُوَ خطأ. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَالصَّحِيح عَن سعيد أَنه مُرْسل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق وَعبد الله بن نَافِع، وَكِلَاهُمَا فِي غَايَة الضعْف. وَمن طَرِيق مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، وَهُوَ فِي غَايَة الضعْف وَمن طَرِيق عبد الْملك بن حبيب الأندلسي، عَن أَسد بن مُوسَى- وَهُوَ مُنكر الحَدِيث- عَن نصر بن طريف، وَهُوَ أَبُو جُزْء، وَهُوَ سَاقِط الْبَتَّةَ، كلهم يذكر عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عتاب أَنه أَمر بخرص الْعِنَب وَسَعِيد لم يُولد إِلَّا بعد موت عتَّاب بِسنتَيْنِ، وعتاب لم يوله النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ مَكَّة، وَلَا زرع بهَا، وَلَا عِنَب.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ فِي آخر هَذَا الحَدِيث: ثمَّ ينجلي بَينه وَبَين أَهله. قلت: وَهَذِه الراوية غَرِيبَة لَا أعلم من خرجها بعد الْبَحْث عَنْهَا.

.الحديث الخَامِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرص حديقة امْرَأَة بِنَفسِهِ».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غزونا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة تَبُوك، فَلَمَّا جَاءَ وَادي الْقرى إِذا امْرَأَة فِي حديقة لَهَا فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: اخرصوا. وخرص النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أوسق، فَقَالَ لَهَا: أحصي مَا يخرج مِنْهَا...» ثمَّ ذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَلَمَّا أَتَى وَادي الْقرى قَالَ للْمَرْأَة: كم جَاءَ حديقتك؟ قَالَت: عشرَة أوسق خرص رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».

.الحديث السَّادِس عشر:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة خارصًا أول مَا تطيب الثَّمَرَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، من حَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج قَالَ: أخْبرت عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أَنَّهَا قَالَت وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى يهود فيخرص النّخل حِين يطيب قبل أَن يُؤْكَل مِنْهُ».
وَفِي هَذَا جَهَالَة الْمخبر لِابْنِ جريج عَن ابْن شهَاب. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن جريج، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا قَالَت وَهِي تذكر شَأْن خَيْبَر: وَكَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى الْيَهُود فيخرص النّخل حِين تطيب أول الثَّمَرَة قبل أَن يُؤْكَل مِنْهَا، ثمَّ يُخَيّر يهود، يأخذونها بذلك الْخرص أَو يدفعونها إِلَيْهِم بذلك الْخرص وَإِنَّمَا كَانَ أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالخرص لكَي تحصى الزَّكَاة قبل أَن تُؤْكَل الثِّمَار وتفرق».
ثمَّ ذكر إِسْنَاد أبي دَاوُد وَلم يذكر مَتنه، وَهِي تَقْتَضِي إِثْبَات وَاسِطَة بَين ابْن جريج وَالزهْرِيّ.
قَالَ ابْن عبد الْبر فِي استذكاره: وَقَوله: «وَإِنَّمَا كَانَ أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» إِلَى آخِره، يُقَال: إِنَّه من قَول ابْن شهَاب، وَقيل: من قَول عُرْوَة، وَقيل: من قَول عَائِشَة.

.الحديث السَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عبد الله بن رَوَاحَة خارصًا».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا، سَابِقًا ولاحقًا، مُسْتَوفى وَاضحا.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَنه بعث مَعَه غَيره، فَيجوز أَن يكون ذَلِك فِي وَقْتَيْنِ، وَيجوز أَن يكون الْمَبْعُوث مَعَه معينا أَو كَاتبا.
قلت: بَعثه مَعَه غَيره غَرِيب، وَإِن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام خُرَّاص غَيره؛ إِذْ فِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث جَابر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يبْعَث رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: فَرْوَة بن عَمْرو، فيخرص ثَمَرَة أهل الْمَدِينَة».
وَفِي إِسْنَاده حرَام بن عُثْمَان، وَالرِّوَايَة عَنهُ حرَام، وَفِيه أَيْضا من حَدِيث رَافع بن خديج «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يبْعَث فَرْوَة بن عَمْرو يخرص النّخل، فَإِذا دخل الْحَائِط حسب مَا فِيهِ من الأقناء، ثمَّ ضرب بَعْضهَا عَلَى بعض عَلَى مَا يرَى فِيهَا وَلَا يُخطئ» وَفِي إِسْنَاده إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة، وَهُوَ مَتْرُوك، وَفِيه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: «إِنَّمَا خرص عبد الله بن رَوَاحَة عَلَى أهل خَيْبَر عَاما وَاحِدًا، ثمَّ إِن جَبَّار بن صَخْر كَانَ يَبْعَثهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ابْن رَوَاحَة فيخرص عَلَيْهِم». وَرَوَى ابْن مَنْدَه من حَدِيث مُحَمَّد بن مغيث الجرشِي- وَلَا أعرفهُ- عَن الصَّلْت بن زبيد بن الصَّلْت الْمدنِي، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَعْملهُ عَلَى الْخرص، فَقَالَ: أثبت لنا النّصْف وأبق لَهُم النّصْف؛ فَإِنَّهُم يسرقون وَلَا يصل إِلَيْهِم». وَقد أسلفنا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث سهل بن أبي حثْمَة خارصًا» أَيْضا، وَفِي شرح التَّعْجِيز لمصنفه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَهُ خراص معينون: حويصة ومحيصة وفروة وَغَيرهم.

.الحديث الثَّامِن عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا خرصتم فاتركوا لَهُم الثُّلُث، فَإِن لم تتركوا لَهُم الثُّلُث فاتركوا لَهُم الرّبع».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث، فَإِن لم تدعوا الثُّلُث فدعوا الرّبع». وَلَفظ أَحْمد كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «فَإِن لم تدعوا فدعوا الرّبع».
وَلَفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان: «جَاءَ سهل بن أبي حثْمَة إِلَى مَجْلِسنَا، فَقَالَ: أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث، فَإِن لم تدعوا أَو تَجدوا الثُّلُث فدعوا الرّبع». وللنسائي أَيْضا وَالْحَاكِم: «فَإِن لم تَأْخُذُوا أَو تدعوا- شكّ شُعْبَة- فدعوا الرّبع».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث الْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم فِي الْخرص، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد مُتَّفق عَلَى صِحَّته؛ أَن عمر بن الْخطاب أَمر بِهِ. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى سهل بن أبي حثْمَة «أَن عمر بن الْخطاب بَعثه عَلَى خرص التَّمْر، وَقَالَ: إِذا أتيت أَرضًا فاخرصها ودع لَهُم قدر مَا يَأْكُلُون».
وَأما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود بن نيار، قَالَ الْبَزَّار: لم يروه عَن سهل إِلَّا هُوَ، وَهُوَ مَعْرُوف. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا غير كَاف فِيمَا يَنْبَغِي من عَدَالَته فكم من مَعْرُوف غير ثِقَة، وَالرجل لَا يعرف لَهُ حَال وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلم يزدْ ذاكروه عَلَى مَا أخذُوا من هَذَا الْإِسْنَاد من رِوَايَته عَن سهل وَرِوَايَة خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ، وَلم يتَعَرَّض التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث بقولٍ، لَا تَصْحِيح وَلَا تَحْسِين، وَلَا تسقيم ذَلِك. قَالَ: وَسَهل لَا يبعد أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ لَيْسَ من يضْبط، وَلَعَلَّه سمع ذَلِك آخر حَيَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله لِأَبِيهِ، فَإِنَّهُ كَانَ خارص رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو لغيره، وَقد جَاءَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنه بَعثه خارصًا لَكِن بسندٍ فِيهِ مَجَاهِيل، أَو أَنه تَصْحِيف وَصَوَابه أَنه بعث أَبَاهُ.
قلت: عبد الرَّحْمَن هَذَا وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ ذكره فِي ثقاته، وَأخرج الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم صحّح إِسْنَاده، فقد عرف حَاله كَمَا قَالَه الْبَزَّار، وَللَّه الْحَمد.
وَقَول النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح، إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود بن نيار الرَّاوِي عَن سهل بن أبي حثْمَة، فَلم يتكلموا فِيهِ بِجرح وَلَا تَعْدِيل، وَلَا هُوَ مَشْهُور، وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد. فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ من كَونه ثِقَة.
وَقَول صَاحب الْإِلْمَام بعد أَن نقل تَصْحِيحه عَن الْحَاكِم: فِيمَا قَالَ نظر. مُرَاده بِهِ مَا ذَكرْنَاهُ عَن ابْن الْقطَّان، فَإِنَّهُ نَقله عَنهُ فِي كتاب الإِمام وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَقد عرفت مَا فِيهِ.
فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: لهَذَا الحَدِيث مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: أَن يتْرك الثُّلُث أَو الرّبع من الْعشْر. وَثَانِيهمَا: أَن يتْرك ذَلِك من نَفْس التَّمْر قبل أَن يعشر إِذا كَانَ ذَلِك حَائِطا كَبِيرا يحْتَملهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: مَعْنَاهُ يدع ثلث الزَّكَاة أَو ربعهَا ليفرقها هُوَ بِنَفسِهِ عَلَى أَقَاربه وجيرانه. وَقَالَ فِي الْأُم: مَعْنَاهُ يدع لَهُ ولأهله قدر مَا يَأْكُلُون وَلَا يخرصه. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنه إِذا احْتَاجَ وَأَهله إِلَى الْجَمِيع أَنه يتْرك الْجَمِيع. وَقد حَكَاهُ كَذَلِك الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه.

.وَأما آثاره:

فسبعة:

.الأول:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَغَيره: «فِي الزَّيْتُون الْعشْر».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، وَقَالَ: إِسْنَاده مُنْقَطع، وَرَاوِيه لَيْسَ بِقَوي. رَوَاهُ من جِهَة الْوَلِيد- يَعْنِي: ابْن مُسلم- أَخْبرنِي عُثْمَان بن عَطاء، عَن أَبِيه عَطاء الْخُرَاسَانِي «أَن عمر بن الْخطاب لما قدم الْجَابِيَة رفع إِلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم اخْتلفُوا فِي عشر الزَّيْتُون، فَقَالَ عمر: فِيهِ الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق حبه، عصره وَأخذ عشر زيته».
وَمُرَاد الْبَيْهَقِيّ بالانقطاع بَين عَطاء الْخُرَاسَانِي وَعمر، وَقَوله: وَرَاوِيه لَيْسَ بِالْقَوِيّ، يُرِيد: عُثْمَان بن عَطاء؛ فَإِنَّهُم ضَعَّفُوهُ، وَقد نبه عَلَى ذَلِك صَاحب الإِمام، وَعبارَته فِي الْمعرفَة- أَعنِي الْبَيْهَقِيّ-:
وَرَاوِيه ضَعِيف.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَصَح مَا رُوِيَ فِي الزَّيْتُون قَول ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي زَكَاة الزَّيْتُون أَن تُؤْخَذ مِمَّن عصر زيتونه حِين يعصره، فِيمَا سقت السَّمَاء والأنهار أَو كَانَ بعلاً الْعشْر، وَمَا سقِِي برشاء الناضح نصف الْعشْر.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَهَذَا مَوْقُوف لَا نعلم اشتهاره فَلَا يحْتَج بِهِ عَلَى الصَّحِيح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث معَاذ بن جبل وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَعلَى وَأولَى أَن يُؤْخَذ بِهِ. يَعْنِي: روايتهما «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهما لما بعثهما إِلَى الْيمن: لَا تأخذا الصَّدَقَة إِلَّا من هَذِه الْأَرْبَعَة: الْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: الْبَيْهَقِيّ لَا يَقُول بِمُقْتَضَاهُ فِي الِاقْتِصَار عَلَى هَذِه الْأَجْنَاس الْأَرْبَعَة. وَقَول الرَّافِعِيّ عَن ابْن عمر وَغَيره: «إِن فِي الزَّيْتُون الْعشْر» لَعَلَّه أَشَارَ بقوله: «وَغَيره» إِلَى قَول ابْن شهَاب: إِن فِيهِ الْعشْر. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، أَو إِلَى قَوْله: «مَضَت السّنة...» إِلَى آخِره. وَذكره صَاحب الْمُهَذّب من قَول ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَلَا يحضرني من خرجه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّه ضَعِيف.

.الْأَثر الثَّانِي:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل فِي الْقَدِيم أَنه يجب فِيهِ الزَّكَاة إِن صَحَّ حَدِيث أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنه كتب إِلَى بني خفاش أَن أَدّوا زَكَاة الذّرة والورس».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي بِنَحْوِهِ وَضَعفه؛ فَقَالَ: أَخْبرنِي هِشَام بن يُوسُف «أَن أهل خُفَّاش أخرجُوا كتابا من أبي بكر الصّديق فِي قِطْعَة أَدِيم إِلَيْهِم، يَأْمُرهُم بِأَن يؤدوا عشر الورس».
قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا أَدْرِي أثابت هَذَا، وَهُوَ يعْمل بِهِ بِالْيمن، فَإِن كَانَ ثَابتا عشر قَلِيله وَكَثِيره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد تقوم بِمثلِهِ حجَّة، وَالْأَصْل أَن لَا وجوب، فَلَا يُؤْخَذ من غير مَا ورد بِهِ خبر صَحِيح، أَو كَانَ فِي غير مَعْنَى مَا ورد بِهِ خبر صَحِيح. وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الْأَثر، وَأَن الْأَصْحَاب فِي كتب الْمَذْهَب أطبقوا عَلَى تَضْعِيفه.
فَائِدَة:
خُفَّاش بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء الْمُشَدّدَة، وَغلط من ضَبطه بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: الصَّوَاب الأول، وَهَذَا غلط، والورس شجر مَعْرُوف يصْبغ بِهِ.

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «لَيْسَ فِي الْعَسَل زَكَاة».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث حُسَيْن بن زيد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن عَلّي بِهِ. وحسين هَذَا فِي حَدِيثه بعض النكرَة، كَمَا قَالَه ابْن عدي.

.الْأَثر الرَّابِع:

عَن ابْن عمر، مثله.
وَهَذَا الْأَثر أسلفناه فِي آخر الحَدِيث الْخَامِس عَن حِكَايَة ابْن الْمُنْذر، وَقد أسلفناه مَرْفُوعا من حَدِيثه وضعفناه.

.الْأَثر الْخَامِس:

«أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة مِنْهُ».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.

.الْأَثر السَّادِس:

«أَن أَبَا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَيْضا كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة من القرطم».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ أَيْضا.

.الْأَثر السَّابِع:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه فتح سَواد الْعرَاق، وَوَقفه عَلَى الْمُسلمين وَضرب عَلَيْهِ خراجًا».
وَهَذَا الْأَثر سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَابه- إِن شَاءَ الله- فَإِنَّهُ أليق بِهِ.

.باب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة:

ذكر- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فاثنى عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن أبي سعيد الخدرى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه الشَّيْخَانِ بِهَذَا اللَّفْظ من هَذَا الْوَجْه، وَانْفَرَدَ مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، فَذكره فِي كَلَامه عَلَى النّصاب، فَقَالَ: لنا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة» وَسَائِر الْأَخْبَار.
فَائِدَة: الْأُوقِيَّة الحجازية أَرْبَعُونَ درهما. وَفِي الْوَرق أَربع لُغَات: فتح الْوَاو وَكسر الرَّاء وإسكانها، وبكسر الْوَاو وَإِسْكَان الرَّاء، ثَلَاث لُغَات مشهورات. وَحَكَى الصغاني فِي كِتَابه الشوارد من اللُّغَات فَفتح الْوَاو وَالرَّاء، قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم وَالْوَرق الدَّرَاهِم المضروبة وَكَذَلِكَ الرقة، وَقيل: الْوَرق: المسكوك خَاصَّة، والرقة: الْفضة كَيْفَمَا كَانَت، وَقيل: الْوَرق والرقة سَوَاء يقعان عَلَى مسكوك وَغير مسكوك، وَقيل: لَا يُقَال لما لم يضْرب من الدَّرَاهِم ورق، وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ فضَّة؛ حكاهن الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه، وَفِي تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ فِي أثْنَاء سُورَة الْفَاتِحَة: الْوَرق بِكَسْر الرَّاء الدَّرَاهِم، وَبِفَتْحِهَا المَال.

.الحديث الثَّانِي:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا بلغ مَال أحدكُم خمس أَوَاقٍ مِائَتي دِرْهَم فَفِيهِ خَمْسَة دَرَاهِم».
هَذَا الحَدِيث ذكره صَاحب الْمُهَذّب من رِوَايَة ابْن عمر، وَلم يعزه الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه إِلَى أحد، وَاسْتَغْرَبَهُ النَّوَوِيّ فِي شَرحه وَقَالَ: يُغني عَنهُ الْإِجْمَاع، فالمسلمون مجمعون عَلَى مَعْنَاهُ. وَقَالَ ابْن معن فِي تنقيبه: رَاوِيه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَاهُ، وَقد سلف فِي الحَدِيث الأول. ورأيته أَنا فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يزِيد بن سِنَان، عَن زيد بن أبي أنيسَة، عَن أبي الزبير، عَن جابرٍ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَا زَكَاة فِي شَيْء من الْفضة حَتَّى تبلغ خمس أَوَاقٍ، وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما». وَيزِيد هَذَا مَتْرُوك.
وفيهَا أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى، عَن عبد الْكَرِيم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ فِي أقل من خمس ذود شَيْء وَلَا فِي أقل من أَرْبَعِينَ من الْغنم شَيْء، وَلَا فِي أقل من ثَلَاثِينَ من الْبَقر شَيْء وَلَا فِي أقل من عشْرين مِثْقَالا من الذَّهَب شَيْء، وَلَا فِي أقل من مِائَتي دِرْهَم شَيْء وَلَا فِي أقل من خَمْسَة أوسق شَيْء، وَالْعشر فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير، وَمَا سقِِي سيحًا فَفِيهِ الْعشْر، وَمَا سقِِي بالغرب فَفِيهِ نصف الْعشْر»
وَابْن أبي لَيْلَى سيئ الْحِفْظ، وَعبد الْكَرِيم ضَعَّفُوهُ.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، فهاتوا صَدَقَة الرقة، من كل أَرْبَعِينَ درهما درهما، وَلَيْسَ فِي تسعين وَمِائَة شَيْء، فَإِذا بلغت مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم».
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه كَذَلِك، وَكَذَا أَحْمد فِي مُسْنده، وَالْبَزَّار أَيْضا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، فأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم، فِي كل مِائَتَيْنِ خَمْسَة»، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، وَلَيْسَ فِيمَا دون مِائَتَيْنِ زَكَاة».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث عَن عَلّي بِلَفْظ: «قد عَفَوْت لكم عَن صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق، وَلَكِن هاتوا ربع العشور من كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم».
قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن رَوَاهُ: رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة وَغير وَاحِد عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي قَالَ: وَسَأَلت مُحَمَّدًا- يَعْنِي: البُخَارِيّ- عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيح عَن أبي إِسْحَاق، يحْتَمل أَن يكون عَنْهُمَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب وَقفه عَلَى عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقَالَ الْبَزَّار: لَا يرويهِ غير عَاصِم عَن عَلّي.
قلت: قد رَوَاهُ الْحَارِث عَنهُ، وَلَا يعرف مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عليٍّ.